عبقرية النص
/
/
يتكوّن النص الأدبي مِن عُنصرين: الفكرة، واللغة! وحين يُطلق مصطلح (النص الأدبي) فيُقصد به كل مُنتج مكتوب، سواء سُمّيَ محتوًى، أو مؤلَّفًا، أو كِتابًا، أو عملًا كتابيًا، أو مادة مكتوبة، أو إنتاجًا أدبيًا، أو كتابةً إبداعيةً، أو ثمرة فكرية، أو إنتاجًا نصيًّا، إلى غير ذلك من المصطلحات التي تؤول إلى معنى واحد.
ضعف أحد العنصرين -الفكرة أو اللغة- يُربك القارئ ويُقلقهُ وربما نغّص عليه انسجامه مع المقروء؛ فيُزعج ضعفُ اللغة مَن كانت فصاحته نقية، وعربيته سليمة، وسقفهُ فيها عالٍ، كما يستفزُّ فقر المعنى مَن كان يستقصي المعاني ويستطلعها بحساسية ووعي، ولعل قراءة نص مُترجم مكثف بالمعاني النبيلة وكان نقله إلى العربية ضعيفًا يشرح الحالة بوضوح، إذ غالبًا ما تنجفل النفس عن مثل هذا النص، وتشعر معه أنها تسير في فجاج عكرة، وطريق وعرة غير مُمهدة! كما أنَّ قراءة نص زاخر بالألفاظ الرفيعة والعبارات البارعة جاءت نتيجة كدٍ للقريحة بلا معنى يُشبع العقل ويمكن الإلمام به يؤول إلى ازدراء النص، وربما كاتبه، كما يوحي بضعف احترام القارئ حين قُدِّم له مثل هذا النص!
يتضح المعنى -أحيانًا- في النفس، ويعجز البيان عن ترجمته بفصاحة، فيتحوّل -الكاتب- إلى السكوت، وهنا يقول شيخ العربية محمود شاكر [نمط صعْبٌ ونمطٌ مُخيف : 116]: “وما كلُّ ما تُحِسُّهُ واضِحًا في نَفْسكَ تسْتَطيعُ أن تُحسنَ الإبانَةَ عنهُ، ورحم اللّهُ إمامَنا الشّافعي؛ فقد قال عندما سُئِل عن مسْألةٍ (إنّي لأجدُ بيانَها في قلبي، ولكن ليس ينْطلقُ بها لِساني!)”.
ليست الفكرة قريبة دائًما، سيّما حين تكون متينة عميقة فإنها تكون عزيزةً! يُمكن التقاط الفكرة من خلال التأمل العميق الطويل، ومن خلال التفكير بأنواعه – التفكير النقدي، والإبداعي، والتحليلي، والإستراتيجي، والاستقرائي، والاستنتاجي، والبصري، والجانبي، والتعاوني-، كما أنَّ الحوار والمناقشة والمداولة من مناجم الأفكار -خاصة مع أصحاب التجارب والأفكار-! وتبقى القراءة هي الوسيلة الأولى والأقوى والأمتع لتحصيل الأفكار، ومهما تنوّعت الأدوات واُبتكرت، إلا أن القراءة هي الأداة المفتاحية لتحقيق القوة الدافعة للإمساك بأهداب الأفكار.