السؤال دليلُ هُوية السائل وعقلهُ ونفْسهُ وعِلْمهُ ومسارب تفكيره. تضج الأسئلة بدوافع السائل النفسية (البراءة، المكر، الاهتمام، الحسد، الرحمة..). تُقرِّب الأسئلة الصحيحة من الإجابات الصحيحة ثم تأخذ بأيدينا نحو القرارات الصحيحة. تكمن قيمة بعض المصادر وإضافتها في قدرتها على إثارة الأسئلة الجادَّة عند المتلقي. الأسئلة قوادح ناعمة لإنهاء حالات الخمول والتكلّس العابرة. في الأسئلة إثارةٌ للروح المعرفية ونموٌّ لمَلَكات النقد والتحليل وتقوية للحُجَّة والبيان والثَّقة بالنفس. توجِّهُ الأسئلة العقول والقرارات والشكوك والتطمينات. مَن يطرح الأسئلة يقود ويسيطر. تُقيّم الأسئلة السائل والمسؤول معًا وتكشف عن إلمامهما وعُمقهما وحقيقة وحجم مداركهما. الأسئلة الفطيرة ليست كالخميرة فالوصول إلى جوابٍ أكمل وأمنع هو نتيجة نضوج الأسئلة فالأسئلة المُثلى صَنعة تراكميّة! تخرج الاتهامات -أحيانًا- في صورة أسئلةٍ تُحرج المسؤول وتُربكهُ ولا تدين السائل. الأسئلة هي قلب البحوث الإنسانية والطبيعية النابض. حتى أسئلة الأطفال مع ما يعلوها من طرافة -أحيانًا- إلا أنها دليل على عقولهم وظروفهم وبيئاتهم وذكائهم. لا تسمح الأسئلة لمن لا يُحسن التعامل معها بالعبث بها فسرعان ما تُبعده عن التزيّن بها وتُحرجه. الأسئلة مسؤولة فمنها ما يختلف الحال قبل طرحه عن الحال بعد ذلك. تؤول بعض الأسئلة إلى مَشاقّ ونتائج غير محمودة (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم).

‏نقل عبدالله الهدلق [ميراث الصمت والملكوت: 47] عن الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله أنه قال: زُرتُ مع بعض الرفاق أحد علماء الشناقطة في المدينة، فلما دخلنا عليه وجدناه مُضطجعًا وقد جعلَ وجهه للجدار، وكنا نسألهُ ويُجيبنا وهو على هذه الحالة، فلما طال بنا المجلس التفتَ إلينا وقال لي: “أسئلتك هذه أسئلة رجل من أهل العلم”.

وفي السياق الكتابيّ، فإنَّ حالة من الصمت الكتابي تعتري الكاتب بعد طوفان الأسئلة الجادة والعنيفة والذي يوصلهُ إلى مرحلة التِيه، هذه الحالة جزء من تجربة الكاتب الإبداعية، فخلالها يبدأ اختمار الوعي، وما يقترحه الخيال ويُنقّحه خلال فترة الصمت هذه ليس سوى كتابة ضمنية موازية للكتابة الفعلية وظِلٌ لها. تَرِد حالة الصمت والتيه هذه على الكاتب حين يتعرّض لوابلٍ من الأفكار الكثيفة! وهكذا، ينضج العمل الكتابيّ بالمراوحة ما بين تِيهٍ وانغلاق، تِيهٍ يُعالَج بالكتابة، وانغلاق يُعالج بالتعرّض لمولّدات الأفكار