الاستثمار الخفيّ في المواهب
/
/
يتجاوز مغادرة أحد الموظفين منظمة ما فقدان فرد في فريق العمل؛ بل خسارة لاستثمار بدأ منذ لحظة انضمامه، استثمار تمثَّل في التدريب، والتطوير، والإعداد، وجهودٍ بُذِلت في دمجه في بيئة العمل وفي ثقافتها التنظيمية! يُشكِّل هذا الموظف -بما يحمله من معرفة تراكمية وخبرة مكتسبة خلال فترة عمله- جزءًا من القيمة التي تبنيها المنظمة داخليًا، وتتضح الخسارة الحقيقية بشكل أكبر حين تبدأ المنظمة في شغل الشاغر مجددًا من خلال إعادة استقطاب موظف جديد، ثم تدريبه وتأهيله ودمجه، لتكتشف أنها لا تُعيد الأمور إلى نصابها مباشرة، بل تبدأ رحلة جديدة تستغرق وقتًا للوصول إلى نقطة التعادل، تلك النقطة التي يبدأ عندها الموظف الجديد بإحداث أثر يوازن التكاليف الاستثمارية التي تحملتها المنظمة منذ استقطابه، وكل ما قبل ذلك يُعد مرحلة عائد سلبي حيث تكون التكاليف أعلى من الفوائد، وهو أمر لا يمكن تجنبه، بل يتطلب وعيًا إستراتيجيًا لضمان عبوره بأقل خسائر، وهنا تدرك بعض المنظمات قيمة موظفيها؛ حين تتفاجأ بأن تكلفة تعويضهم أعلى بكثير من تكلفة الاحتفاظ بهم! وهنا -أيضًا- تظهر أهمية بناء سياسات استباقية للاحتفاظ بالمواهب، سياسات تركز على خلق بيئة محفزة، وتعزيز الشعور بالانتماء، وتقديم مسارات مهنية واضحة تُشعر الموظف أنه جزء أساسي من رؤية المنظمة.
القيمة الحقيقية للموظف ليست فيما يقدمه اليوم فقط، بل فيما يمثله من امتداد معرفي واستثماري على المدى الطويل، كما أن الموظف ليس مجرد عنصر تشغيليّ -سيما في المنظمات المعرفية والفكرية والإبداعية- ، بل رأس مال معرفي يحمل مهارات وخبرات تُمكّن المنظمة من الابتكار والتكيف مع التغيرات، والمنظمات التي تُدرك هذا المفهوم تستثمر في موظفيها ليس لتغطية احتياجات الحاضر فحسب، بل لبناء مستقبل أكثر استدامة وتماسكًا.
الاحتفاظ بالمواهب ليس ترفًا إداريًا، بل هو ضرورة إستراتيجية لبناء الأثر وتحقيق الطموح، والمنظمات التي تستثمر في موظفيها برؤية عميقة ومتكاملة هي من ستصنع فرقًا حقيقيًا على المدى المتوسط والبعيد.